تحليل إخباري: غزة إلى أين؟
غزة، تلك البقعة الصغيرة على خارطة الشرق الأوسط، تعود لتتصدر واجهة الأحداث العالمية، لا بوصفها عنواناً للسلام، بل ساحة مستمرة للصراع، ومرآة تعكس تعقيدات السياسة الإقليمية والدولية. السؤال المتكرر في أذهان المحللين والسياسيين هو: إلى أين تتجه غزة؟ وهل هناك أفق قريب يلوح في الأفق لنهاية هذا النزيف السياسي والإنساني؟
غزة اليوم تعاني من حصار خانق عمره أكثر من 17 عاماً، شلّ كل مظاهر الحياة المدنية، وأنتج مجتمعاً مثقلاً بالبطالة، والفقر، والاعتماد الكلي على المساعدات الدولية. البنية التحتية متهالكة، والمياه غير صالحة للشرب، والكهرباء لا تزور المنازل إلا لساعات محدودة. في المقابل، تُصر إسرائيل على أن الحصار أداة "أمنية"، بينما ترى الفصائل الفلسطينية فيه "عدواناً ممنهجاً".
ما يزيد المشهد تعقيداً هو الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، حيث تسيطر حماس على غزة منذ عام 2007 بعد صراع دامٍ مع السلطة الفلسطينية. هذا الانقسام عمّق من عزلة القطاع، وجعل أي حديث عن إعادة الإعمار أو تحسين ظروف المعيشة مرهوناً بتسويات سياسية معقدة، تتداخل فيها مصالح إقليمية ودولية.
إقليمياً، تلعب مصر وقطر دورين متباينين في دعم سكان القطاع من جهة، واحتواء التصعيد من جهة أخرى. أما إسرائيل، فتنظر إلى غزة كملف أمني قبل أن يكون إنسانياً أو سياسياً، وتستخدم بين الفينة والأخرى سياسة "كيّ الوعي" عبر ضربات عسكرية مركّزة لإضعاف الفصائل المسلحة.
دولياً، تتعامل الولايات المتحدة مع ملف غزة ضمن رؤيتها الأوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتكتفي غالباً بدعوات "ضبط النفس"، في حين تبقى مواقف الاتحاد الأوروبي متذبذبة، محكومة بحسابات داخلية معقدة. أما الأمم المتحدة، فتصدر تقاريرها، لكنها تفتقر إلى أدوات تنفيذية قادرة على تغيير واقع المأساة.
من ناحية استراتيجية، هناك ثلاث سيناريوهات ممكنة لمستقبل غزة:
-
استمرار الوضع الراهن: حيث تبقى غزة محاصرة، منهكة، ويستمر القتال بين الحين والآخر دون تغير جذري في ميزان القوى أو في الواقع السياسي.
-
انفراج سياسي مشروط: قد يأتي عبر اتفاق تهدئة طويل الأمد برعاية إقليمية ودولية، يسمح بإعادة إعمار غزة، وفتح المعابر مقابل ضمانات أمنية لإسرائيل.
-
انفجار شامل: قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق، خاصة إذا تصاعدت التوترات في الضفة الغربية أو حصلت تطورات إقليمية كبرى تدفع الفصائل المسلحة إلى المواجهة.
في العمق، مستقبل غزة مرهون بإرادة فلسطينية موحدة أولاً، تعيد ترتيب البيت الداخلي وتكسر حالة الانقسام. كما أنه مرهون بتحوّل في الموقف الدولي من إدارة الأزمة إلى حلّها، وفق قرارات الشرعية الدولية، وليس وفق المصالح الآنية للدول الكبرى.
في الختام، غزة تقف على مفترق طرق: إما أن تكون بوابة لحلّ شامل يُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، أو تبقى رهينة التجاذبات الإقليمية والرهانات العسكرية، بلا أفق ولا أمل.
