بتعاون من الولايات المتحدة.. هكذا ضللت إسرائيل العالم قبل توجيه الضربة لإيران

بتعاون من الولايات المتحدة.. هكذا ضللت إسرائيل العالم قبل توجيه الضربة لإيران

زلمان شوفال

“بالأحابيل اجعل لك حرباً”، قيل في سفر مشلي. ليس بالأحابيل فقط، بل أيضاً بالقوة. لكن الأحابيل والمناورات كانت جزءاً من حروب إسرائيل منذ الأزل.

عندما بعث رئيس الأركان موشيه دايان، دبابات نحو الأردن عشية حملة سيناء طابور، كان الهدف هو خلق انطباع بأن إسرائيل توشك على مهاجمة الأردن بسبب دوره في عمليات الفدائيين الذين يأتون من أراضيه. وهذا، حين كان القرار الحقيقي ومهاجمة المصريين في سيناء – فعلت المناورة فعلها ليس فقط تجاه المصريين غير الجاهزين، بل في بضع وزارات خارجية أجنبية، بما فيها الولايات المتحدة.

معركة إسرائيل الحالية ضد إيران سبقتها جملة كاملة من حملات التضليل والخداع، بتعاون (نشط أحياناً، وغير مقصود في أحيان أخرى) من الولايات المتحدة. وكان الهدف إبقاء نظام آية الله في انعدام يقين بشأن النوايا الإسرائيلية، ونتيجة لذلك، في انعدام جاهزية لها. كانت رسائل البيت الأبيض مشوشة ومتضاربة: قال الرئيس ترامب إنه كان على علم لكن ليس بالتفاصيل، وأعلن أنه لن يعطي ضوءًا أخضر لعملية إسرائيلية ضد منشآت النووي الإيراني، مشدداً على وجوب استنفاد المفاوضات مع طهران على اتفاق نووي جديد. بل أعلن عن موعد لقاء آخر مع المندوبين الإيرانيين. كل هذا كان يمكن تفسيره كمحاولة لدق العصي في دواليب آلة الحرب الإسرائيلية. وكأن ترامب، لزيادة الغموض، أضاف بأن “هجوماً إسرائيلياً محتملاً، لكن ليس بشكل فوري”.

لصرف الانتباه، أرسل الوزير رون ديرمر ورئيس الموساد دافيد برنياع، لمحادثات مع المبعوث ويتكوف في مواضيع مختلفة، كالمخطوفين والحرب في غزة. تغيب رئيس الوزراء عن مداولات الكنيست في موضوع قانون التجنيد وتقصير شهادته في محاكمته (لأسباب صحية) وربما بسبب العرس موضع الحديث في عائلة نتنياهو، وبيان عن نقل ثلاث فرق إلى غزة استهدفت المساهمة في حملة التضليل.

ليس واضحاً بأي قدر ساهمت خطوات التمويه هذه، المخطط لها والأقل تخطيطاً، في تشويش الإيرانيين والفوضى في جاهزيتهم – ولكنها انطلت على قسم من السياسيين ووسائل الإعلام في إسرائيل.

مراسلون في عدة صحف و”خبراء” في قنوات التلفزيون خرجوا عن صوابهم فيما كانت الطائرات على مسار انطلاقها، كي “يشرحوا” لماذا تعد عملية إسرائيل ضد إيران غير محتملة، فما بالك أنها غير محتملة بدون تعاون نشط من الأمريكيين. وعرضوا القرار بالهجوم كـ “فشل سياسي آخر لنتنياهو”. وملأ الكاس رئيس الديمقراطيين يئير غولان حين تناول إمكانية الهجوم بقوله إنه لا يثق ولو بملمتر بنتنياهو”.

الأهم ردود فعل السعودية ودول عربية أخرى، الرسمية وغير الرسمية، على الهجوم الإسرائيلي. هذه الدول تحركت مؤخراً بين الخوف الأساسي من إيران ومن دونها، وبين الرغبة في تهدئة التوتر معها تجاه الخارج على الأقل ومنع اشتعال إقليمي. ينبغي الافتراض بأنه باستثناء قطر التي ستقف بين الطرفين مع ميل لإيران، فإن حكام هذه الدول سيكونون راضين عن العملية الإسرائيلية، لكن لأسباب مختلفة، داخلية وغيرها، دون أن يعبروا عن ذلك. وبالتالي، من المهم أن قريباً كيف سيعقب صحافيون ومحللون عرب، وأساساً سعوديون، كفيلون بأن يعطوا صدى لمواقف حكوماتهم دون أن يكونوا متماثلين معها رسمياً. إحدى المسائل المركزية ستكون الآن كم ستقرب حملة “شعب كاللبؤة” اندماج إسرائيل في نظام شرق أوسطي جديد، إذا كانت ستندمج أصلاً. الأمر منوط بقدر كبير بالموقف الذي ستتخذه إدارة ترامب فعلاً وليس قولاً، في الأسابيع القريبة القادمة. مادة للتفكير: بينما تجندت إدارة بايدن للمساعدة في جهود الاعتراض الإسرائيلية في هجمة الصواريخ الإيرانية السابقة، جلست إدارة ترامب هذه المرة على الجدار، حتى الآن على الأقل.

بالنسبة لإسرائيل، فإن التخطيط الأعلى والأداء في كل القيادات والمستويات كانت عبقرية حقاً، وستضيف مكانة دولية لقدرات الدولة العسكرية والتكنولوجية. لكن المعركة لم تنته بعد، ومثلما في كل معركة عسكرية، في نهايتها معركة سياسية بوسعها أن تثبت وتبطن الإنجازات، وربما تقوضها أيضاً. ستكون هذه ساعة الاختبار الكبرى للدبلوماسية الإسرائيلية.

من موقع القدس العربي

معاريف 17/6/2025