عن معاناة المهجرين في الناصرة

عن معاناة المهجرين في الناصرة
كتب مراسل خاص
غصت قاعة مركز سينمانا الثقافي، في مدينة الناصرة، مساء امس الخميس ١٢-٦-٢٠٢٥، بجمهور حاشد، توافد من المدينة ومنطقتها لمشاهدة عرض خاص، لمسرحية "أنا من هناك"، التي سبق وتم تقديم العديد من عروضها ، في الوفير من بلداتنا ومدننا العربية في البلاد، وبرز من بين جمهور الحاضرين عدد من المثقفين المعنيين بالشأن المسرحي والثقافي عامة، اضافة الى عدد من الشخصيات الاعتبارية ورجال الاعمال. 
 المسرحية  عبارة عن مونودراما/ مسرحية الممثل الواحد، وهي من اعداد وتقديم الفنان الممثل المعروف بنشاطاته الجمة عامر حليحل، دراماتورجيا شقيقه علاء حليحل، اخراج بشير نهرا. إضاءة نعمة زكنون، صوت وفيديو رونزا مرشي. تم تقديم العرض بالتعاون مع الحكواتي.
يستعرض حليحل فيها، مواقف محددة من حياته، مولودا لعائلة تم تهجيرها قسرا عام ٤٨ ، من قريتها قديثا، لتقيم في بلدة الجش، ولينتقل فيما بعد عدد  من ابنائها للاقامة في قرية صغيرة تقع في اسفل الجبل القريب من مدينة صفد ، تدعى عكبرة، كما يذكر في المسرحية ايضا. تتوسل المسرحية هذا التاريخ او ذاك، متوقفة عند هذا الموقف او تلك الواقعة، التي يعبر كل منها عن واحد من جوانب حياة طفل فشاب فدارس جامعي للمسرح في جامعة حيفا. يربط بين هذه الوقفات والوقائع، خيط رهيف ودقيق، يهدف في عمقه، الى تقديم تجربة شخصية، تعبر عن معاناة صاحبها الفنان عامر حليحل ذاته ، وتبلغ هذه التجربة احدى ذراها العالية في معاناته نتيجة حمله، او ارتدائه العلم الفلسطيني، ودعوة إدارة الجامعة له لجلسة استماع، تنتهي بخلاصه المحتم بمساعدة محام محنك وذي معرفة وتجربة. تلي هذه المعاناة انفراجة تتمثل في انبهاره بانه هو المهجر ابن المهجر، يمكن ان يمثل ويؤدي الادوار التمثيلية في  المسارح الاسرائيلية الكبيرة مثل الكامري وهبيما، ويصل ممثلنا الدارس المثقف المطلع، في المقاطع الاخيرة من مسرحيته هذه الى المسرح الملكي البريطاني، وهناك يكتشف ذاته مجددا، فهو ابن لقضية ومعاناة، تتعارض مع ذلك الفراغ وذاك الملل الذي تعيشه قاعات العرض المسرحي البريطانية بمشاهديها الخليين، فيقرر العودة الى هنا، الى بلاده وليوصل بالتالي ما انقطع من نشاطاته وفعالياته المسرحية، وليقدم العرض تلو العرض الذي ينتمي الى هنا وليس الى هناك.
يستعرض حليحل طوال حوالي الساعة ونصف الساعة، جوانب من سيرته الذاتية متوقفا عند العديد من النصوص الشعرية المعبرة، عما يريد ان يوصله الى جمهرة الحاضرين، تلك النصوص التي ابتدعها شعراؤنا المعروفون ابتداء بمحمود درويش، انتهاء بسميح القاسم، مرورا بتوفيق زياد ومريد البرغوثي والعديد من الاصوات الجديدة في البلاد.. وفي غزة العزة خاصة.
تبرز في المسرحية النبرة الساخرة، الرافضة المعترضة جلية واضحة، فصاحبها يعود الى هذا الموقف او ذاك، ليبرز ما ضمه واحتواه من تناقضات مثيرة للجدل والسخرية المرة، الامر الذي ساهم في تفاعل الجمهور مع العرض وما تضمنه من قفشات، واكاد اقول نكات، تنضح تناقضا وتعارضا، بين ما هو موجود وما هو منشود. 
الاخوان حليحل في مسرحيتهما هذه يواصلان مسيرتهما التي ابتدأت قبل فترة مديدة، مستندين الى وعي عميق بالمعاناة الانسانية التي يعيشها ابناء بلادنا المهجرين المقيمين قريبا من قراهم وبلداتهم المهجرة.. المتاحة لكل الكائنات والمخلوقات الا لهم..