الرسم والتكنولوجيا: حين تلتقي ريشة الفنان بآلة الحرب: إيران وإسرائيل أنموذجًا، بقلم: رافع يحيى

رغم أن إيران وإسرائيل تقفان على طرفي نقيض سياسي وعسكري، فإنهما تشتركان في ملمح حضاري وإنساني بالغ الدلالة: كلاهما من أكثر دول الشرق الأوسط تميزًا في مجال الرسم، ولا سيما من قبل الفنانين الذين يرسمون لكتب الأطفال. هذا التميز الفني لا يأتي في سياق منعزل عن باقي مقومات الدولة، بل يتجاور بصورة لافتة مع تقدّمهما العسكري والتكنولوجي، مما يكشف عن علاقة عميقة بين الفنون والعلوم، وبين الخيال والانضباط، وبين الإبداع والجندية.

الفنان في كل من إيران وإسرائيل ليس مجرد رسام منعزل عن واقع بلاده، بل هو في الغالب فرد يعيش وسط مجتمع معقّد، يتشابك فيه الجمال بالقسوة، والتاريخ بالصراع. ومن هنا، فإن لوحاته لا تعبّر فقط عن مشاعر شخصية، بل تختزن أبعادًا ثقافية وهوياتية عميقة، تعكس روح العصر، وتواجه آلامه وأسئلته الوجودية. اللافت أن الدولتين، رغم ما تعيشانه من توترات سياسية، تسمحان بهامش واسع للفنانين في التعبير، وتشجعان على إقامة المعارض ودعم الإنتاج الفني، وهو ما يدل على وعي بدور الفن كقوة ناعمة موازية للقوة الصلبة.

الرسم، في جوهره، يتطلب خيالًا، وتأملًا، ودقة في التعبير، وهي كلها مهارات تشترك فيها الفنون مع التكنولوجيا. الفنان الذي يرسم مشهدًا مستقبليًا، أو يعيد تأويل رموز الماضي، يلتقي في نقطة ما مع المهندس أو المصمم أو المبتكر الذي يحوّل الأفكار إلى منتجات وتقنيات. وكأن الفن، بصورته النقية، هو البذرة الأولى التي تسبق الصناعة والاختراع.

من هذا المنظور، فإن التميز في الرسم الذي نشهده في إيران وإسرائيل ليس مجرد واجهة ثقافية، بل هو جزء من منظومة معرفية متكاملة، تسمح بولادة فن ناضج من رحم بيئة علمية صلبة. وهذا يعيدنا إلى خلاصة عميقة: إن ازدهار الفنون ليس نقيضًا للتقدم العسكري أو التقني، بل قرين له. فالدولة التي تطوّر الطائرات والصواريخ، وتفتح في الوقت ذاته أبواب المعارض الفنية، هي دولة تدرك أن مستقبلها لا يُبنى فقط على التفوق في ميدان الحرب، بل أيضًا على القدرة على إلهام الإنسان، وتوسيع مداركه، وإطلاق طاقاته الخلّاقة.