غادي أيزنكوت: هل سيصبح رئيسًا لحكومة إسرائيل؟

في ظلّ تآكل الثقة الشعبية بالمؤسسات السياسية الإسرائيلية، تتصاعد في الأفق أزمة مركبة لا تقتصر على الانتخابات القادمة، بل تتشابك فيها ملفات الأمن، والدين، والقانون، والعدالة الاجتماعية. وإذا كانت عناوين المرحلة السابقة تتمثل في «استقرار نتنياهو» السياسي رغم الأزمات، فإن المرحلة القادمة قد تكون عنوانها: «نهاية الهيمنة أو بداية الفوضى».

وسط هذه التعقيدات، يبرز اسم غادي أيزنكوت، النائب السابق لرئيس أركان الجيش وأحد رموز التوازن في تحالف "المعسكر الرسمي"، كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة، أو على الأقل، كوجه قادر على خلق كتلة سياسية جديدة تعيد رسم الخريطة. السؤال المطروح اليوم: هل يمتلك أيزنكوت الحظوظ الواقعية لتولي قيادة الدولة العبرية؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها تستدعي تفكيك العوامل المتشابكة التي تحيط بالمشهد.

من حيث الشعبية، لا يزال بنيامين نتنياهو يحافظ على هيكل كتلة يمينية منضبطة، تتكون من الليكود، شاس، يهدوت هتوراه، وحزب الصهيونية الدينية. هذه الكتلة تضمن له حوالي 55 إلى 58 مقعداً بحسب أحدث الاستطلاعات، وهو ما يجعله على بعد خطوات قليلة من الأغلبية. ومع أن الفجوة صغيرة عددياً، إلا أنها ضخمة سياسياً، بسبب ضعف التنسيق بين أحزاب الوسط واليسار، وتردّد بعضها في الانفتاح على الشراكة مع الأحزاب العربية.

أما أيزنكوت، فإمكاناته تبدو رمزية أكثر من كونها تنظيمية. حتى اللحظة، لم يُظهر أيزنكوت رغبة معلنة في الترشح المباشر لرئاسة الحكومة، لكنه يتحرك في الكواليس كشخصية تجمع بين العقلانية الأمنية والخطاب المدني، الأمر الذي يجعله مقبولاً لدى قطاعات من اليمين المعتدل والوسط، وحتى بعض اليسار. إلا أن غيابه عن قيادة حزب قوي أو كتلة انتخابية ضخمة يجعل فرصه غير واقعية، ما لم تحدث مفاجأة دراماتيكية تقلب قواعد اللعبة.

من جهة أخرى، تواجه إسرائيل ضغطاً متصاعداً من ملف الأسرى، لا سيما بعد التصعيد في قطاع غزة والضفة الغربية. عائلات الأسرى تطالب الحكومة بحلول عاجلة، وتحذر من «صفقات إذلال» جديدة، فيما يعارض اليمين أي تنازلات يمكن أن تُقدّم لحماس، مما يزيد من انقسام الداخل الإسرائيلي حول مقاربة هذا الملف. أي مرشح يسعى لرئاسة الحكومة، سواء أيزنكوت أو غيره، سيُجبر على بلورة موقف واضح ومقنع في هذا السياق الحساس.

الأزمة الأكبر ربما تكمن في تفاقم الشقاق بين الحريديم وباقي مكونات المجتمع الإسرائيلي، خاصة بعد أن برزت مسألة التجنيد الإجباري في الجيش كخط أحمر. الأحزاب الدينية ترفض المساس بامتيازات طلاب المعاهد التلمودية، بينما يطالب الشارع العلماني بتقليص الإعفاءات وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا التوتر يهدد استقرار أي حكومة قادمة، بما في ذلك حكومة نتنياهو نفسه، الذي يعتمد اعتماداً كلياً على دعم الحريديم.

من الناحية القضائية، ما تزال المحاكمات الجارية ضد نتنياهو تتفاعل، مع تواريخ حرجة في خريف هذا العام قد تؤدي إلى إعادة فتح ملف الثقة داخل الليكود، وربما ظهور قيادات جديدة تتحدى هيمنته من الداخل، أو تقبل التنازل عنه من أجل بقاء الحزب في السلطة. في هذا المناخ، أيزنكوت – الذي لم يُستهلك بعد في أروقة الفساد أو الصفقات – قد يُطرح كـ "حل وسط" مقبول داخليًا وخارجيًا، إذا تفككت كتلة اليمين أو انقسمت.

في المحصلة، احتمالات وصول غادي أيزنكوت لرئاسة الحكومة الإسرائيلية لا تزال محدودة لكنها ليست مستحيلة. يحتاج الأمر إلى انهيار مفاجئ في كتلة نتنياهو، وتصاعد التنسيق بين قوى المعارضة، وظهور قيادة حزبية قوية تتبناه. دون هذه الشروط، سيبقى أيزنكوت رقماً مهمًا في المعادلة، لكنه ليس اللاعب الأول. وربما، في حالة الفوضى السياسية القادمة، يبرز فجأة من حيث لا يتوقع أحد، بوصفه الرجل الذي يملك عقلية الدولة، لا عقلية الحزب.

الانتخابات القادمة قد لا تحسم فقط من سيقود إسرائيل، بل قد تعيد طرح سؤال: هل ما زال النظام السياسي الإسرائيلي قادراً على إنتاج حكومة فعّالة؟ أم أن الانقسام العقائدي والاجتماعي وصل إلى نقطة اللاعودة؟ في هذه اللحظة الحرجة، كل الاحتمالات مفتوحة، وكل اللاعبين مراقبون بدقة... من الجمهور، ومن التاريخ.