للمصدر موقف: مقاطعة بدو النقب للمحلات التجارية اليهودية: بين الرفض السلمي والاحتجاج الرمزي

مقاطعة بدو النقب للمحلات التجارية اليهودية: بين الرفض السلمي والاحتجاج الرمزي

في ظل استمرار سياسات هدم البيوت في منطقة النقب، يواصل أبناء المجتمع البدوي حملتهم لمقاطعة المحلات التجارية اليهودية كخطوة احتجاجية ضد ما يرونه اعتداءً منهجيًا على حقهم في السكن والوجود. هذه المقاطعة، التي تنبع من عمق الإحساس بالظلم، تمثل أداة سلمية ومحمّلة بالدلالات الرمزية، تعكس الوعي السياسي والاجتماعي المتزايد لدى المجتمع البدوي في الدولة.

أولًا: قراءة في خلفية المشهد

منطقة النقب تُعد من أكثر المناطق استهدافًا من قبل السياسات الإسرائيلية، خصوصًا ما يتعلق بهدم البيوت، وتجريف الأراضي، ومنع البناء "غير المرخص"، وهي مصطلحات قانونية تستخدم أحيانًا لتبرير ممارسات تحمل أبعادًا سياسية وقومية أعمق. يعيش بدو النقب في قرى عديدة غير معترف بها رسميًا، مما يجعلها عرضة للهدم والإخلاء دون توفير بدائل مناسبة.

المقاطعة الاقتصادية، كأداة احتجاج، ليست بجديدة على المشهد، ولكن استخدامها اليوم في سياق النقب يحمل دلالة خاصة. فهي ليست مجرد رد فعل آني، بل فعل واعٍ يستند إلى إرادة جماعية لقول "لا" للظلم، و"نعم" لحق الوجود والكرامة.

ثانيًا: رمزية المقاطعة الاقتصادية

تكمن قوة هذا النوع من الاحتجاج في كونه غير عنيف، مما يقطع الطريق أمام محاولات التشويه أو القمع المباشر. كما أنه يحمل رسالة مزدوجة: من جهة، هو رفض للسياسات الجائرة، ومن جهة أخرى، هو دعوة إلى مراجعة العلاقة الاقتصادية والسياسية القائمة بين الدولة والمجتمع البدوي.

الاقتصاد هو أحد أعمدة السيطرة، وضربه، حتى بشكل رمزي، يحمل أحيانًا أثرًا أكبر من مجرد احتجاجات صاخبة. إذ يضطر الطرف المقابل إلى التفكير في تداعيات سياسته لا من الزاوية الأمنية فقط، بل من زاوية الخسائر الاقتصادية والسمعة الدولية كذلك.

ثالثًا: موقف إنساني وسياسي

هذه المقاطعة هي أيضًا صرخة إنسانية، تقول للعالم: "نحن هنا، نُهدم ونُهمل، ولكننا نمتلك الصوت والإرادة". إنها صرخة من أجل الكرامة، من أجل الطفولة التي تُجتثّ من بيوتها، ومن أجل النساء والشيوخ الذين يرون أحلامهم تُهدم أمام أعينهم. كما أنها دعوة إلى مراجعة شاملة للسياسات العنصرية التي تحرم فئة كاملة من المواطنين من حق أساسي هو السكن.

خاتمة: دعوة للتضامن والتأمل

إن استمرار المقاطعة هو دليل على وعي بدوي متزايد، وعلى قدرة المجتمع على التنظيم الذاتي والتعبير عن مواقفه بطرق سلمية وفعالة. وهي مناسبة لجميع القوى السياسية والاجتماعية والأكاديمية، سواء داخل  الدولة أو خارجها، لتفعيل أدوات الدعم والتضامن مع هذا النضال المشروع.

فحين تتحول المقاطعة من فعل فردي إلى مشروع جماعي، تصبح أكثر من مجرد احتجاج؛ تصبح حركة مقاومة ثقافية وأخلاقية تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، وتفتح أفقًا جديدًا للنضال من أجل الكرامة والعدالة.