وهم العظمة: قراءة نفسية واجتماعية في ظاهرة التكبر والانفصال عن الواقع

وهم العظمة: قراءة نفسية واجتماعية في ظاهرة التكبر والانفصال عن الواقع

يُعدّ "وهم العظمة" (Delusions of Grandeur) من أبرز المفاهيم النفسية التي تفسر بعض أنماط السلوك البشري المتعالية والمفصولة عن الواقع. هو حالة يشعر فيها الفرد أنه يتمتع بقدرات أو مكانة تفوق الحقيقة، وقد يرى نفسه نبيًا، عبقريًا، أو حتى حاكمًا مخلّصًا، دون أن يمتلك دليلاً واقعيًا يدعم هذا التصور. تتراوح هذه الظاهرة بين اضطرابات نفسية مرضية، وتجليات اجتماعية لها جذور في التربية أو البيئة أو السلطة.

 وهم العظمة من المنظور النفسي

من الناحية النفسية، يُصنَّف وهم العظمة ضمن أعراض اضطرابات مثل الفصام (Schizophrenia) أو اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder). ويظهر ذلك في سلوكيات مثل:

تضخيم الذات بصورة غير عقلانية.

الإحساس بأن الآخرين أقل شأنًا.

رفض النقد والانغلاق على الذات.

الميل إلى السيطرة والشعور بالأحقية دون مبرر.

تؤدي هذه الحالة إلى عزلة نفسية، واضطراب في العلاقات الاجتماعية، وقد تُفضي إلى انهيار داخلي حين يصطدم الوهم بواقع الحياة.

 الجذور الاجتماعية والثقافية لوهم العظمة

لا يقتصر وهم العظمة على الأفراد فحسب، بل قد تنمو في ظل ظروف اجتماعية معينة، مثل:

التربية السلطوية التي تزرع في الطفل شعورًا بالتميز المطلق دون توجيه أو تصحيح.

السلطة المطلقة التي تضع الإنسان فوق المساءلة، كما نرى في بعض القادة الذين يعزلهم المنصب عن الواقع.

البيئة الإعلامية المضللة التي تضخم صورة الشخص وتجعله محاطًا بالإطراء والمبالغة.

كل هذه العوامل قد تؤدي إلى أن يُصدّق الإنسان مجدًا لا يملكه، فيعيش في فقاعة من الغرور والانفصال عن الواقع.

وهم العظمة في الفكر والأدب

تناول الأدب هذه الظاهرة في شخصيات عديدة، مثل "دون كيشوت" في الرواية الشهيرة لثيربانتس، الذي توهّم أنه فارس شجاع يحارب الأعداء، بينما هو يصارع طواحين الهواء. كما نجد في التراث العربي شخصيات طمحت للخلود أو التقديس رغم محدودية فعلها الواقعي.

هذه الشخصيات تمثل مرآة للواقع الإنساني، حيث يهرب الإنسان أحيانًا من ضعفه الحقيقي إلى وهم القوة والعظمة، ظنًا منه أن ذلك يخلّصه من شعور داخلي بالنقص.

 الآثار النفسية والمجتمعية لوهم العظمة

انهيار العلاقات الاجتماعية نتيجة الغرور واحتقار الآخرين.

الفشل المهني بسبب تجاهل النصائح والتمادي في قرارات خاطئة.

الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والانهيار عند مواجهة الفشل.

تفشي الاستبداد في المجتمعات التي تُمكّن أصحاب الوهم من القيادة دون محاسبة.

وهم العظمة ليس مجرد حالة نفسية فردية، بل ظاهرة يمكن أن تتسرب إلى الأفراد والمجتمعات على حد سواء. إنه عدو الحقيقة وعدو التواضع، وكلما أدرك الإنسان محدوديته، زادت فرصته في أن يعيش بوعي، وأن يسهم بإيجابية في مجتمعه.
وفي مواجهة هذا الوهم، يبقى التواضع هو الدرع الحقيقي الذي يحفظ الإنسان من الغرور، ويمنحه القوة الحقيقية المبنية على وعي الذات، لا على أوهامها.