القدرة على تحمّل الآخرين/ رافع يحيى

القدرة على تحمّل الآخرين/ رافع يحيى

الحياة اختبار صعب، وهذه حقيقة. كيف سنعبر هذا العمر دون أن نغضب أحدًا؟ هل الافتراض هنا، أن نتحمل ما هو فوق طاقتنا لمراعاة النسيج الاجتماعي والعلاقات القائمة؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه. وقد تكون الإجابة عليه سهلة لدى البعض. من يقرر؟ شخصية الإنسان بالطبع. إن كان اجتماعيًا، فعليه أن يبلع الكثير من الضفادع ويصمت. وإن كان غير ذلك فسينفجر كبركان فيزوف، في أوّل موقف يضايقه أو يتعرض له.

أنا أميل لمضاعفة القدرة على التحمل، لماذا؟ منعًا للتصادم والخصام، منعًا لتحول أي قضية لنقطة صراع لا حاجة لها. الإنسان لحظة عبور، والاحتواء مطلوب، "والدية برقبة العاقل" كما يقول المثل. وقوله تعالى(.. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) في لحظة من اللحظات قد يضعف الإنسان فيثور ويغضب ويرد على خصمه ومحاولة بدلًا من الصاع صاعين، ولكن النتيجة معروفة سلفًا، خصام وقطيعة. 

تخيلوا معي لو أننا حاسبنا بعضنا على كل موقف لا يعجبنا، على كل حوار مسيء لم نتوقعه، على كل كلمة، ماذا سيحصل؟ انهيار كامل لمنظومة العلاقات الإجتماعية. الناس أجناس وأطباعهم غريبة وعقلياتهم متباينة وأمزجتهم متقلبة. يرى البعض بأنّ حال الدنيا لم يتغير منذ سيدنا آدم حتى يومنا هذا. ولذا تقتضي سنة الحياة أن نتحمل ما نمر به من مواقف. والتسامح تاج لمن يتبناه.

أما الرأي الآخر، فهو يخالف الرأي الأول ويؤيده في آن واحد، فمن جهة يعترف بالواقع الصعب في التعامل ولكن من جهة أخرى يفضّل التعامل عن بعد مع الآخرين مع الاعتماد على البقاء على مسافة واحدة من الجميع. اختصارًا للمشاكل والخصام والعتاب، وتوفيرًا لطاقات الاحتمال والإحتواء.

في النهاية، كل له طريقه وله فلسفته الحياتية وأسلوبه، ولكن علينا أن نعترف في هذا المقام بأنّ الحياة تتعقد يومًا بعد يوم، وأنّ مرونة التعامل الّتي امتلكناها يومًا هي زادنا ووقودنا ولا مفرّ من المحاولة ثمّ المحاولة لاحتواء الآخرين، والعزلة شفاء، لكن الجنة دون ناس ما بتنداس، وجمعتكم مباركة يا رب.