للمصدر موقف: عصر لا يشبهنا

عصر لا يشبه عقولنا

نعيش في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتتبدل فيه المفاهيم بوتيرة تعجز عنها عقولنا التي تشكلت في أزمنة أبطأ، أكثر بساطة وعمقًا. أصبح كل شيء متاحًا بضغطة زر، ولكننا فقدنا لذة الانتظار، ومتعة التأمل، وقيمة التفاصيل الصغيرة.

هذا العصر لا يمنحنا فرصة لتكوين أفكارنا على مهل، بل يزجّ بنا في دوامات من الصور والمعلومات، كأننا نركض بلا نهاية. إننا نحاول أن نُشبه الزمن، أن نُسرع معه، فنضيع عن أنفسنا.

التكنولوجيا التي ظنناها خلاصنا تحولت إلى مرايا مشوشة، تعكس كل شيء إلا حقيقتنا. صارت العلاقات سطحية، والذاكرة قصيرة، والعقول متعبة من كثرة ما ترى ولا تستوعب.

جيل نشأ على الإعجاب السريع، والردود المختصرة، والنجاح اللحظي، يفتقر إلى الحفر العميق في الفكرة، إلى مساءلة المعنى، إلى ثقافة الصبر. لم نعد نفكر لنتعلم، بل نبحث لننسى.

عقولنا التي تربت على الحوار والسؤال والدهشة، تجد نفسها اليوم غريبة في عالم يختزل الحياة في اختصارات، ويقيس القيمة بعدد المتابعين.

إنه عصر الصور، لا المعاني. عصر الضجيج، لا الصدى. عصر السرعة، لا السكون. ورغم هذا كله، ما زالت فينا أرواح تبحث عن نغمة هادئة، عن نصّ طويل، عن لحظة صدق.

نحتاج أن نُبطئ قليلاً، لا لنعود إلى الوراء، بل لنفهم إلى أين نمضي. أن نصغي إلى ذواتنا وسط صخب العالم، أن نعيد صداقة العقل بالقلب.

عسى ألا نضيع تمامًا في هذا العصر، بل ننجح في أن نصنع منه شيئًا يُشبهنا، ولو قليلًا.