تراجع الثقافة في الوسط العربي: الأسباب والمآلات

تراجع الثقافة في الوسط العربي: الأسباب والمآلات

شهد الوسط العربي في العقود الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في الحراك الثقافي، انعكس في انخفاض معدلات القراءة، ضعف الإنتاج الأدبي والفني، وتراجع تأثير المثقفين في الحياة العامة. ويمكن رد هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل البنيوية والاجتماعية والسياسية، التي اجتمعت لتنتج بيئة غير حاضنة للثقافة.

أولًا، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية أسهمت في تهميش الاهتمام بالثقافة. فمع تصاعد الأزمات المعيشية وغلاء المعيشة، بات التركيز منصبًّا على تلبية الاحتياجات الأساسية، ما جعل الثقافة تُعدّ ترفًا لا ضرورة. كما أن ازدياد وتيرة الهجرة نحو المدن وما يرافقها من أنماط استهلاكية غربية، أدّى إلى إضعاف الروابط مع التراث الثقافي العربي الأصيل.

ثانيًا، غياب السياسات الثقافية الرسمية الفعّالة في الدول والمؤسسات العربية أسهم في هذا الانحدار. فالثقافة لا تزال تُعامل بوصفها قطاعًا ثانويًا، دون دعم حقيقي للمبدعين، أو استثمار في المكتبات العامة، أو في الفنون، أو في دور النشر الجادة.

ثالثًا، هيمنة وسائل الإعلام السطحية ومواقع التواصل الاجتماعي أسهمت في تفريغ الوعي الثقافي، واستبدلت المعارف العميقة بمضامين ترفيهية آنية، ما غيّب النقاشات الفكرية الجادة، وأضعف الذوق العام، وحوّل المثقف إلى شخصية مهمشة.

ولا يمكن إغفال دور المؤسسات التربوية والتعليمية التي فقدت بوصلتها الثقافية، ولم تعد تغرس في الطالب روح التساؤل والبحث بشكل كاف، بل أصبحت تكرّس التعليم التلقيني في كثير من الحالات، الأمر الذي أفقد الأجيال الجديدة شغف الاطلاع

والنقد.

مع ذلك، لا تزال هناك بؤر ثقافية مضيئة في بعض المدن والقرى، يحافظ فيها المبدعون على شعلة الثقافة من خلال المبادرات الفردية والفعاليات المجتمعية، إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى دعم مؤسسي مستدام لتؤتي ثمارها.

الخاتمة:
إن النهوض بالثقافة العربية يستدعي وعيًا جمعيًّا بخطورة تراجعها، واستثمارًا حقيقيًّا في التربية، والإعلام، والمسرح، والكتاب، كي تعود الثقافة لتكون ركيزة في تشكيل الوعي، وبناء الإنسان العربي.