في زمن السرعة... أين نضع الرأي؟

في زمن السرعة... أين نضع الرأي؟

في عالمٍ تتبدّل فيه الأحداث كل دقيقة، ويُستبدل الرأي بالرأي قبل أن يُستوعب الأول، يبدو أن المساحة الحقيقية للتأمل تتقلص، بل تكاد تختفي. أصبح التعبير مجرّد ردّة فعل، لا فعلًا فكريًّا نابعًا من عمق.

الرأي لم يعد موقفًا ينبع من تراكم تجربة وقراءة ووعي، بل صار جملة سريعة تُرمى في فضاء مزدحم، تمرّ كغيرها، وتُنسى كغيرها. أما التحليل، فغالبًا ما يُستبدل بتخمين عاطفي، أو إسقاط شخصي على واقع معقّد لا يُختزل بجملة واحدة.

الزمن الذي نعيش فيه يحبّ العناوين، لكنه يخاف التفاصيل. يحبّ الضجيج، ويضيق بالصمت العميق. لذلك، فإن من يجرؤ اليوم على التفكير بهدوء، وعلى الكتابة ببصيرة لا بانفعال، هو كمن يسبح عكس التيار.

الرأي الحقيقي لا يُكتب لإرضاء جمهور، ولا لإثارة جدل عابر. بل يُكتب ليحمل موقفًا واضحًا، مبنيًّا على إدراك لا على تحريض، وعلى مسؤولية لا على غضب.

والتحليل، حين يكون عميقًا، لا يكتفي بوصف ما حدث، بل يحاول فهم "لماذا" حدث، و"إلى أين" قد يأخذنا هذا الحدث.

في زمنٍ يتحدث فيه الجميع... قليلون هم من يُنصتون.
وفي زمنٍ يَظهر فيه كل شيء، يصبح ما هو غير ظاهر أكثر أهمية.
ومن هنا، يولد الرأي.
ومن هنا، تبدأ قيمة التحليل.